أمي ..
في ليلة شتائية باردة ممطرة
صحوت أنا و أخي الذي يكبرني بسنتين على صراخ أبي و هو يضرب أمّي و يعنّفها بطريقة وحشيّة و يهينها بأبشع الكلمات و أقساها .
لم نكن نعرف ما نفعل إلاّ البكاء، فهو المتنفّس الوحيد لنا و لا شيء نستطيع فعله لها .
تَطلقت أمّي لنصبح أيتاماً بعدما رحلت لجهة لا نعلمها مع إجبار والدي على عدم البحث عنها أو تلقّي أي شيء حتّى لو كان سلاماً منها .
كانت الأيّام كفيلة بأن تُغيّب صورتها عن ذهني لخوفي من أبي من جهة و للمعاملة القاسية التّي ننالها من زوجة أبي السيّئة معنا من جهة أخرى .
أخي كان يغيب عن المنزل ليلة أو ليلتين؛ لم يأبه لما ينتظره من أبي ضرب و تعنيف و إهانة، بل كان يسجنه و يمنع عنه الماء و الأكل عقوبة على تصرفاته .
كان يمثّل دور المغمى عليه حتّى لا يعترف لأبي أين كان يذهب أو سبب غيابه عن المنزل .
كنّا أصدقاء و إخوة، إلاّ أنّه لم يبح لي بسرّه رغم سؤالي المتكرّر له، ربّما لخوفه عليّ، أو لصغر سنّي و حبّه لي كان حريصاً عليّ دوماً، لكن لا يستطع أبعاد الألم و الوجع عنّي من زوجة أبي .
يوماً من الأيام غاب أخي عن البيت لأكثر من ثلاثة أيام و كان والدي ينتظر عودته و هو غاضب عليه ناقم متوعّداً بأنه سيلقنه أقسىى العقوبات حالما يعود
و كانت زوجته تملي عليه ما يفعله، بل و تشحنه على أخي ليصبح قلبه غليظاً عليه .
ساعة واحدة كفيلة جعلت أخي ممدّداً على أرضية الغرفة غارقاً سابحاً بدمه حينها أدركت بأنّ الوحدة كفيلة أيضاً بجعلي أنساه كما نسيت أمّي .
في ليلة باردة كتلك اللّيلة التّي كنت شاهداً عليها؛ وجدت رسالة مخفيّة في وسادته كاتب فيها :
أخي الصّغير الحبيب
واصل زيارة أمّنا، فهي عمياء لن تفرق بين صوتينا
ّواصل رعايتها تحت التّعذيب لأن قربها يستحقّ كلّ أنواع التّعذيب، فهي الوطن و البيت و الآمان و لا تشعرها بأنّ أحدنا قد رحل ..
قيس هادي كريم الشريف
العراق
تعليقات
إرسال تعليق