التخطي إلى المحتوى الرئيسي

(الطفله ).. د. خالد نصر مالك

 (الطفله )


عباس شاب طيب ، ومرح،  وهو زميلى فى العمل ، برغم انه حديث التعيين،  الا انه اكتسب صداقات تفوق صداقاتى التى اكتسبتها لعشرين عام مضت " منذ تعيينى فى الهيئة ، لم يكن عباس زميلنا فى نفس المكتب الذى اعمل به ،  ولا نفس الاداره ، فقد كان مكتبى بقسم الشئون الماليه ،  ومكتبه بقسم الموارد البشرية  ، بالطابق الثالث من العمارة نفسها،  الا انه كان يحب ان يتناول افطاره معنا ، حيث أحبه زملائى  ، وصاروا  اصدقاءا  له ،  وكانوا يمدحون فيه صفاته الطيبه  وشهامته  وكرمه  ومرؤته ويتشرفون بصداقته ، وسألونى ذات مره عن مكان سكنه ، فأصابنى الخجل ،  لجهلى  التام بمكان سكنه ، فعابوا على ذلك  لمحبته الشديده لى ومرافقته لى  باستمرار ووقوفه بجانبى  فى كل صغيرة وفى كل  كبيرة ،  وعندما خلوت  به ذات مرة ،  سألته  بإعتذار خفيف  عن مكان سكنه ، فضحك ، وقال لى ؛ ( اخيرا ؟؟  كنت انتظر هذا السؤال منذ زمن بعيد ،  وفى كل  لحظه  تنتابنى  الوساوس بان  اتخلى  عن صداقتك ، ولكن كنت  اقول لنفسى  يبدو  انه  رجل لا يحب الصداقات الممتده  ولا الدائمه ، يا صاحبى  انا اسكن نهاية الثورات ) قلت متلعثما ومتعذرا  : (  صدقنى انا و الزملاء  فكرنا فى زيارتك بالبيت ، وقضاء يوم حافل  معك ملىء بالبهجة  والمرح )  فابتسم  مرحبا وقال : ( حددوا  اى  يوم تحبون  فيه  زيارتى انا  سأكون فى  انتظاركم باذن الله تعالى )  اجبته ؛ ( دعنى اشاور الزملاء ثم اوافيك بمقترحهم واختيارهم لليوم )  قال : ( حسنا ،  يسرنى ذلك).

وفى صباح يوم من ايام  العطلات الاسبوعيه ،  كنا  امام منزل عباس صديقنا ، وقد حملنا معنا ما حملنا من الماكولات والطيبات والفواكه ،  ولكن عباس بطبيعة كرمه  لامنا على ذلك لوما خفيفا بضحكته المرحه و كلامه  الطيب ( الطعام عندنا متوفر لا بحد من يأكله)   ، ثم  تقدمنا بخطوات  الى داخل داره   مرحبا بترحيب  اهل  الريف ( أهلا وسهلا  اهلا  بكم ) ، تسبقه فرحة  عجز  عن اخفاءها ثم  ادخلنا الى صالون كبير  بنى  من الآجر ، وبه نافذتين تفتحان على شارع كبير  اصطفت على جانبي ذلك الشارع  شجرتا  (نيم ) كبيرتين  وشجرة ضخمه من  اللالوب ، ويمر من خلال  تينك النافذتين هواء بارد ، شد  انتباه  الزملاء ،  وتعحبوا لذلك الجو  الصحو وللرطوبه  التى  تتخلله وتصاحبه  كأننا فى فصل الربيع  ، وبينما عباس مضى فى  بعض شئون  المطبخ ، ليكرم وفادتنا   ، فقد تمدد الزملاء على الاسره البارده  وسرعان ما غطوا فى نوم عميق ، بسبب المسافة  البعيده و الرحلة الطويله التى مشتها العربه فى ساعتين او ثلاثه.

ظللت  وحدى مستيقظا ،   احدق احيانا  فى الشارع عبر النافذتين  ، واحيانا فى سقف الصالون المعروش من جريد النخيل واخشاب الدوم .

 فجأة  احسست  بخطوات طفلة  فى  التاسعه من عمرها ،  تدخل الى الصالون فى توجس ثم اتت  نحوى  ببسمه رائعه ومدت  الى  يدها الغضه الصغيرة،  تحيينى بابتسامة ملائكيه لم ار  مثلها قط ، فضممتها  نحو صدرى بشوق كأنها ابنتى التى اعرفها منذ ميلادها  ، وقبلت خديها  بحنان لم اعهده فى نفسى ، وسألتها : ( هل  انتى  شقيقة  عباس )؟  فصمتت ، ثم هزت رأسها علامة النفى ، كانت ملامحها جميله جدا  وقد تدلت من رأسها الصغير  ضفيرتين طويلتين  ، وكانت تمسك احدى الضفيرتين  باصبعين رقيقين ،  ثم اتكأت بمرفقها على فخذى ،  وهى  تتمايل كغصن صغير  ، فسالتنى ببراءة : ( انت صاحب عباس  أليس كذلك )؟  قلت ( بلى  )،  ثم سألتنى :  ( وما اسمك يا عمى )؟ وقبل ان اجيب على سؤالها الاخير ،  اعقبتنى بسؤال اخر ( وهؤلاء النائمون أهم  اصحابه ايضا ؟ )  اجبتها ( نعم  هم  اصحابى واصحاب عباس ،   وزملائى فى العمل ، انا اسمى  خالد نصر  وانت ؟)  رفعت الى عينين ساحرتين كأنهما  لؤلؤتين فى قاع النهر ،  وهى لا تزال تتكىء بمرفقها على فخذى : (  انا اسمى زينب ) ثم سألتنى   بتعتعه :  (هل عندك عربة  )  قلت :  ( لا  ، العربة يملكها زميلى ) وتمتمت : ( العربات سيئة )  وقبل ان تكتمل دهشتى  سالتنى ، مره اخرى :  ( هل جئتم من مكان بعيد )؟ قلت لها:  ( نعم  فنحن نسكن متفرقين ) سالتنى مرة اخرى :  ( هل تعرف مدينة  الازهرى )؟ قلت لها ( نعم وكيف  لا )  سألت بسرعة  : ( هل تعرف مجدى ابن شندى  ؟) و قبل ان اجيبها على  سؤالها  أفلتت يدى ،  كأنها رأت شيئا اعجبها وخرجت  لا تلوى  على  شىء ، فابتسمت  للبهجة  البريئة  التى  ادخلتها على  نفسى ، ولصدق حديثها وروحها الطيبه ،

والتفت  الى  اصدقائى   وهم يغطون  فى نومة عميفه ،  ورحت  اوقظهم بمرح:  ( انهضوا  ،  استيقظوا ، هل  اتيتم  لرحلة  نوم )؟ ورميت عليهم الوسائد ، وفتحوا  اعينهم  واتهمونى  بالحاسد وهم يقهقهون ، ويضحكون .

فى تلك اللحظه دخل  عباس ، بمائده طعام  حوت كل ماهو طيب ، ورحنا  نلتهم الطعام ونمدح صانعه باعجاب ، فصمت عباس هنيهة  ثم قال باسما :  ( انا من صنعته ) ، فاندهش الاصدقاء ، وسأله احدهم : ( واين اهلك واخواتك  )

قال عباس وهو  يضحك :  ( انا من ود مدنى ، اهلى كلهم يسكنون هناك ،  ولى  اخت  واحده  تسكن الخرطوم) 

قلت عابثا : (  وهل  تركوا لك  شقيقتك زينب لترعاها وحدك )؟

 توقف عباس عن مضغ الطعام،   وتحجرت عيناه  ينظر الى مندهشا  ، ثم احسسنا بان طعاما توقف فى حلقه ، فناوله احد الزملاء كوبا من الماء ، شريه عباس  بلهفة وهو لا زال بحدق بى ،  ثم سالنى بذات الدهشه : ( كيف تعرف زينب ؟  ام  انك  خمنت هذا الاسم)

 قلت باستغراب :  (زينب  شقيقتك  الصغيرة تلك التى خرجت من عندى قبل عشره دقائق ) واشرت نحو باب الصالون

فجحظت عينا عباس،  ثم نهض من مقعده كمن لدغه ثعبان وهو  يردد:  ( خرجت من عندك ، خرجت من عندك )؟ ثم بهمس : ( زينب ليست شقيقتى ) هنا توقف الاصدقاء عن الاكل وبدأت اعينهم تدور  مع الحوار  الذى دار بينى  وبين عباس   وقد جحظت عيونهم  هو يقول ، ( زينب بنت اختى ميتة منذ اربع سنوات )

وجعلت  احكى  لعباس كيف دخلت و كل كلمه قالتها 

وصمت عباس ثم تكلم مفزوعا (  انا خالها ، سكنوا مدينة  الازهرى ، يشتغل  ابوها سائق حافلة ، كان يحبها حبا جما ، وكانت هى تنتظره كل يوم  لتتعلق بكتفيه  ويهديها  الحلوى ، وذات يوم جاء الأب مرهقا ونام لساعتين ، وخرج قبل ان تلاحظ زينب خروجه ، وعندما ادار محرك العربة  وتحرك بها لم يدر ان ابنته كانت تحت لساتك العربه  تريد مفاجأته ، فماتت دهسا  بين يديه ). فهمست  بصوت مسموع : (  قالت  ان العربات سبئة )

وهنا سالت عباس ، وبدنى  كله يرتعش : ( هل تريد  ان  تقول  ان  الفتاة  التى  اتكأت بمرفقها على  فخذى هى طيف  لزينب )؟ 

 اجاب عباس ( زينب  توفت منذ اربعه سنوات يا خالد )

قلت مستنكرا:  ( لا لالا  ، اذن من جاءتنى  هى  ابنة  الجيران  واسمها تطابق مع زينب ابنة  اختك)

قال :  ( ليس لنا جار له ابنه اسمها زينب ) ثم استطرد يسالنى : ( صف لى زينب التى اتتك يا خالد  )

فجعلت اصف له وجهها وملابسها 

فصرخ  وقال :  ( يكفى  يكفى والله انها هى بنفس تلك الملابس وضفيرتيها الطويلتين)

 سالت عباس :  ( و هل والدها اسمه مجدى ابن  شندى)؟ 

جحظت عينا عباس للمرة  الثانيه  واجاب محوقلا  (  نعم  انها  هى  وهذا  اسم والدها زوج اختى المكلوم)  ثم استطرد :  ( ولكن  كيف جاءت اليك دون الناس ودون اقربائها )

بدا جسدى  يرتعش واصابنى  رعبا

  وانا اقول لعباس : ( لا  بل جاءت اليك انت لان هذا بيتك ، يبدو  انك احببتها اكثر من والديهاا)

اجاب عباس ( نعم  نعم  والله كنت امشى اليها لازورها مرات كثيرا  واجلب لها الهدايا )

وراينا دمعتان تنزلان على خد عباس

فواساه الاصدقاء ، ثم خرجنا كلنا الى الشارع ، نبحث عن اثر  لزينب  تلك الطفله  الجميله ، ولا اظن انها ستفارق خيالى  مهما كان ،  ولن انسى زينب ما حييت .


د. خالد نصر مالك

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشاعرة عائشة نعمان

 على قارعة الغياب... يأسرني حنيني ووجدي تائهة بين يومي  وأمسي ألملم خيوط ذكرياتي في دجى الليل  و السبات أرسمك في لوحاتي و على السطور  أضع أجمل العبارات تتساقط حروفي  زخات عشق تروي عطش أوراقي في ليالي اغترابي كم شيدت قصورا  من الأحلام و من نور عينيك ينبثق الفجر تشقشق نوارس قلبي تمتص رحيق عشقي  الساري في الشريان و من خيوط الشمس أصنع جسرا  للأمل عل نسيم كلماتي  يحط رحاله  على أنفاسك فيغريك عطري تأتي لمداري فيعانق نبضك نبضي ماذا لو يتوقف نبضك؟ وتحدث معجزة فيشحنه نبضي و أصير لك كل الحياة معا نصنع الربيع نحتضن أحلامنا لن تخذلنا أحاسيسنا تزهر أيامنا و يبتسم القدر لنا.....     عائشة نعمان

الشاعر ضو بن صالح

عصيان القلم قد آن الأوان لأطلق لقلمي العنان طلبت منه كتابة قصيدة قصيدتان اكتب أكتب يا قلمي شعرا مشحونا عشقا جنون وحنان ارسم يا قلمي زهرتان زهرة جوري أو اقحوان ارسم مليون زهره ارسم بستان ارسم طفلة صغيرة تمرح على رمال الشطآن تبنى قصرا تبنى صورا تبنى ملعب صولحان وببسمة بريئة وقهقهة وباقدامها الصغيرة تحطم كل البنيان ارسم ارسم يا قلمي فتاة ريفية باقدام حافية وعيون حالمة ووجه كأنه قمر الزمان تحصد قمحا... تجمع حطبا ترعى غنما وكل ما تصبو اليه مداعبة الخرفان ارسم يا قلمي ارسم لما هذا التيه واللف و الدوران ولكن أعلن قلمي العصيان متمردا.... متوحشا معلنا رسمه لوحتان لوحة تشقق جدار امتى ولم تكن في الحسبان تشقق.. شقوق... شقاق انشقاق.... عناق... نفاق وزيادة ونقصان سارسم حدودكم الوهمية محمية بدبابات وطيران محمية بجيوش غاصبة روس...طليان... المان صنعوها.... رسموها كي يصبح وطني كمشة اوطان حدود وهمية مبنية من الاسفنج والدخان سارسم يا هذا سارسم عطرا احمرا مرشوش على الحيطان سارسم ازيز الرصاص الذي لا يبقي اي جبان عفوا قد اصمت لحظة للتبين والتبيان اني أرى الأمواج زاحفة من كل صوب ومكان واني لاسمع اهازيج تتردد ...

(قصيدة بعنوان اشتقت اليك يا أمى) شعر /احمد على محمد فضل

 (قصيدة بعنوان اشتقت اليك يا أمى)  شعر /احمد على محمد فضل  معلم خبير لغةانجليزيه الاقصر مصر  اشتقت اليك ياامى  حبا فى القلب وفى دمى  رقةقلب غابت عنى صوتا عذبا يسكن اذنى دعوة فجر تحفظنى بركة رزق تسعدنى شوق وحنين ارهقنى  دمع وانين مزقنى كرم من ربى فارقنى رحلت من كانت فى قلبى نورا وضياء لعينى روحا وحياه لجسدى سندا ومعينا فى همى  أنا لا ارثيكى بل ارثى نفسي اشتقت اليك ياامى اشتقت اليك ياامى بقلم الشاعراحمد على محمد فضل معلم خبير لغة انجليزية الاقصر مصر اسألكم الدعاء لها ولموتى المسلمين جميعا بالرحمة والمغفرة